الأحد، 13 مايو 2012

ثلاثي الضحى ج3



ثلاثي الضحى ج3
كنت أجده أمامي في كل مكان.. في الحديقة.. في المطبخ.. في البهو.. لا يتردد في إغداقي بنظراته وعسيل كلماته كلما سنحت له الفرصة..  وكنت أُراقبه من بعيد.. أراقب وجه نُحتت الثقة في قسماته, وانعكست على تصرفاته.. ربما أثار  فضولي في البداية هيئته ووسامته.. لكن تعامله معي غيّر نظرتي له تماما..

تمنيت لو أنه يجيد مخاطبة العقل والقلب..  تمنيته متفهما وقورا  فلطالما أحببت الرجل الوقور,  غير متعاليا ولا لحوحا ولا واثقا من مجاراتي له ..تمنيته ودودا .. يجيد صياغة الإحساس.. يجيد إدارة الحديث مع أنثى.

.........................................


في اليوم الرابع من زيارته دخلت أمي لتسألني رأيي في قريبي الشاب النصف عربي.. أذهلتني المفاجأة ..

أجبتها ببساطة: بأنني لا أستطيع الارتباط به.. فمنذ مجيئه لم يسمح لي بإكمال جملة مفيدة في حضرته..  و أكاد أجزم بأن رأيي لن يتغير.. نحن شخصيتان مختلفتان.. هو أنسان بشخصية طاغية يتعامل مع ظاهر الأمور..

وأنا فتاة أحب الهمس بالمشاعر والانسياب معها دون ضجيج.. أحب الاستغراق في أدق تفاصيل لحظات الرومانسية.. أعشق الإنصات لترانيم النبض العاشق..

قالت أمي: أنا أعرفك فانتي عنيدة قلما تتغير آرائك.. خرجت غاضبة وتركتني.

كان عليه الرحيل في اليوم التالي, لكن لسبب ما تأجل سفره عشرة أيام أخرى.

في اليومين الأولين كان يُيمم وجهه شطر أي جهة لا أكون فيها.. ترى هل نقلت له أمي رأيي فيه بصراحة.. لا يهم ...بدأت ملامحه تستعيد هدوئها في اليوم الثالث.. وأصبح ينظر إلي كأي فرد في العائلة.

لغياب أبي في العمل واستغراق أخوتي في النوم إلى وقت الظهيرة كنا أنا وأمي وهو (ثلاثي الضحى) نقضي وقت الضحى معاً حتى انتهت العشرة أيام.. أما بقية اليوم فكان يقضيه بمعية أخوتي.. تعرفت عليه بشكل أفضل وذلك عندما بدأ يتعامل معي بشكل متزن, وبدأ يخاطب عقلي فأجده تارة يتحدث عن الرسم.. أحب هواياتي إليّ.. وتارة حول الدراسة فأنا ما زلت في سنتي الثانية  في الجامعة.. أوقات كثيرة كنا نناقش الأمور الحياتية والدينية.. وكان أكثر جلوسنا على الشرفة التي تطل على الحديقة في الدور الأول.. توغل في داخلي إحساس عميق نحوه..

وبدأت أتقن الحوار معه.. بل بدأت أدمنه..

عندما  أزفت  ساعة الرحيل.. تحرك شيء بداخلي, ربما الخوف من فقدانه.. أو الندم لاستعجالي برفضه.. فقد  أثار فضولي من البداية..  لكن معاملته لي وكأني حق مكتسب.. أزعجتني.. لمحت في عينيه أسف أو حزن.. لا أدري .. أحسست أن في ابتسامته ألم يدوي صداه في قلبي.. غادرني الوقار الذي طالما تغنيت به.. خذلني إحساس أتقنت محاصرته, تمرد ..خرج مصحوبا بدمعات ثائرات عجزت عن إخفائهن..

عللت فيض مشاعري بكلمتين:

_ لا أحب الوداع

بعد خروجه أصبح فؤادي فارغا.. كأن الهواء يمر من خلاله.. تزاحمت مشاعر كثيرة في صدري..  مشاعر ضعف لم تكن يوما من خصالي..

مرت أيام الشهر الأول بصعوبة.. كنت أتخبط في ضجيج الذكريات.. أصبر النفس بجميلها وأقنعها أن الأمور إلى مرور..

وكنت أسأل أمي عنه بين الحين والآخر عسى أن تجود لي بأي خبر يسر قلبي الذي عصاني وتبعه, بيد أن أغلب حديثها كان حول خالي والوصية.

مر عامان آخران, أنهيت تعليمي الجامعي ولم أنتهي منه.. فقد ملأت الذكريات حياتي.. وبقيت رهينة الماضي أتذكر وجه, حديثه,  وده.. سألت أمي ذات اشتياق عنه.. هل تحدثه في الهاتف كما تحدث خالي.. هل يأتي على ذكري.. ماذا كانت تقصد بحديثها السابق عن رأيي فيه؟ هل حدثها عني فعلا أم أنها اخترعت الموضوع.. فأنا أعرفها.. كلما نظر أخي الأكبر لفتاة من العائلة, سألته إن كان يريد الزواج بها.. نظرت أمي إليّ بعتب وقالت: ليس في هذا الموضوع.. أعرف أنه سؤال سخيف.. كنت أود الحديث عنه فقط.

نادرا ما تتغير قناعاتي.. أستغرب كيف تغيرت إلى هذا الحد فقد أصبح هاجسي الذي لا يغيب.

بعد انتهاء الدراسة صارت الإيام رتيبة.. وأبي لا يشجع عمل المرأة لذا عليّ انتظار فارس الحلم الذي قد يأتي وقد لا يأتي ولا يهمني مجيئه.. فمن أهتم لأمره غادر ولا أظنه يعود.
 بقلم أمل عبدربه

2 التعليقات:

حنين محمد يقول...

صباح الغاردينيا أمل
أرتباكك وحديثك وذكراه وانتظارك
سـ تبقى شجن عبق لايغادر صدرك ولكن كوني أكيدة طالما لمس شيئاً ما لابد أنكِ لمستِ كذلك شيئاً ما وأذا أتفق النبض كان أجمل أحساس "
؛؛
؛
جميلة أنتِ في سردك
قرأتكِ بـ أبتسامة"
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas

اريج الامل يقول...

الغالية ريماس
"وأذا أتفق النبض كان أجمل أحساس " الله عليكِ.. رائعة الأحساس كما عهدتكِ..
فعلاً لاتتلامس المشاعر حتى يتوحد النبض
نقية الروح أنتِ
أستقبلكِ دائماً بفرح
كوني بالقرب دائماً