الاثنين، 26 يناير 2015

أين الوجع؟


 يتزاحمون حول الطاولة المسجى عليها جسد الأم.. ينهشون لحمها.. ويزأرون تنافسا وشراهة..دمها من أفواههم يقطر.. وصدرها الشفيق ينضح بالحليب رأفة بطفلها الجائع يجوب العراء بحثا عنها.

الأحد، 11 يناير 2015

رسالة من شهيد






دون أن أودع أمي أو شريكتي أو حتى أُقبِّل طفلي الصغير مضيت.. مضيتُ  قبل أن تزيح شبابيك الفجر عن كاهلها ستائر الظلام منتشيا برقة الصباح وفرحة الطريق.. تداعبني الأحلام برسم غد أجمل ترفرف على جوانبه حمائم السلام.. خرجت من منزلي دون أن أيقظ أحدا فيه..ذهبت إلى عملي في نقطة التفتيش على مشارف المدينة..أعرف أن الطريق يباب والهواء ملبد بالضباب وبارود الغدر ليس بعيدا عننا وإننا على خنادق الموت نسمع صرير أبوابه كل لحظة.. لا أخفيكم أني أنا ورفاقي كشفنا الكثير من تجار الموت والمتأسلمون الذين لا  يسفكون سوى دم المسلم.. وبهذا حقنّا الكثير من دماء شبابنا ودموع ثكالانا. ولهذا  أيضا أصبحت نقاط التفتيش هي الأكثر اعتداءً عليها في السنوات الأخيرة.. كم لملمت من أشلاء رفاقي أثر كل اعتداء وما زادتني دماؤهم إلا عِداء للقتلة وإصرارا على المضي في مقارعة ذيول الشيطان, فماهم إلا ذيول لوحوش أكبر من أن يستوعبها وعيهم المحدود.
في اليوم الذي انحنت لي فيه الأرض .. وتضوعت الساحات بمسك دمي..  ركبت براق السماء محلقا إلى أبديتي ..مخلفا في الأثير نكهة حزن أمي.. متراميا كنت في الأرض وموحدا في السماء ..كم من الأمنيات سالت عبر دمي وشربها التراب..كما كل رفاقي كنت أتمنى الكثير لحياتي وشعبي ووطني..تمنيت لو أن الشمس اقتلعت  أنياب الظلام قبل رحيلي وجففت بؤر الخراب وردمت حفر الوباء وسيجت الأرض بأجنحة الأمان..تمنيت لو أن أبجدية الصفوة تخرج من صمتها.. تضع مشاعل فكرها على الخارطة التي عاث فيها الجهل والطمع فسادا هوى بالأرض إلى الحضيض.. كان حلمي أن أردم سرداب العفن وأوئد غربان الفتن وأوقد المحارق لفأر الجهل والعصبية والمحسوبية والطمع وأن أقطع دابر الخيانة وأمحو خطيئة الأنانية المتمثلة في سوداوية ( أنا ومن بعدي الطوفان)


كان حلمي أن أرى طفلي يكبر مع إخوة له سيأتون من ظهر الغيب..أثمل بوقع خطاهم على واحة عمري  وأستنشق أريج ريعانهم عبر كل مرحلة من أعمارهم .. تقر بهم عيني..وأعدَّهم لمواصلة دربي الذي شرفت بعبوره ويشرفني أن يتبعوه..لكن السماء تقدر ما تشاء وكلنا إلى رحيل.. إنما هي لحظات ومحطات.. لحظات هي حياتنا زادت أو نقصت لا يهم مادامت ستُفنى في رضاء المعبود وصالح العباد.. ومحطات نترجل عندها شئنا أم أبينا,ولا أجمل من محطة الشهيد  سعدت بها ورفاقي..فـ منا من قضى نحبه ومنا من ينتظر.