الأحد، 21 أبريل 2013

أنا وساره





 المشفى العالمي, شاهق الصيت والإمكانات, خارق التكوين. ترتاده سارة, أختي, بحثا عن أمومتها المتأخرة. تقول عنه: إنه قطعة نادرة مسحوبة من بلاط القطب الشمالي. ومع أني لا أحب الأقطاب البعيدة, إلا أن انبهارها به, وجزيل وصفها, قد أثنياني عن معتقدي, فقررت إجراء بعض التحاليل اللازمة فيه.

لم يخالجني شك في أن ما تقوله تلك المرأة العجيبة, هو ضرب من الجنون. لا شك ستعتذر بعد هنيهة لما بدر منها.. نهرت أختي:

_كفي عن النواح.. هناك خطأ.

برغم خواطر الموت التي طفقت تموج في ذهني, ووسائل التعذيب التي شرع عقلي بافتراضها.. اقتربتُ من المرأة. غرست عينيّ في عينيها الفارغتين, وقلت لها: هذه التحاليل كاذبة, أو خاطئة, أو مزورة..  

ملامحها المرسومة بعدم الفهم وعدم المبالاة, أكدت لي أنها لا تفهم لغتي,, أو لا تهتم. حصدت سارة ما بقي في حقيبة يدها, وألقته في يد المرأة لتشرع في عمل تحاليل أخرى. فجاءت النتيجة كسابقتها.

 رأت المرأة الرعب الذي كسا وجوهنا. قالت بلهجة لا تخلو من التهكم:أنت حامل.. وأنا لا أبتكر هذا, أنظري إلى ورقة التحليل واقرئي بنفسك. ها هي كلمة إيجابي. وضعتْ الورقة مع ما سبقها من الأوراق, على الطاولة التي أقف أمامها. وطلبت منا الانصراف.. نظرتُ إلى الأوراق الجاثمة على وجه الطاولة مليا, خيل إلي أن هذه الأوراق هي كفن مطوي ينام علية سكين يتوق لمعانقة جيدي. صرخت في وجه المرأة: كيف أكون حامل وأنا غير متزوجة, ولم يمسسني بشر.

  ارتفع نشيج سارة يؤجج ما يتنزى في صدري وأحاول جاهدة السيطرة عليه.. أرتفع صوت النكران وحلاوة الروح في رأسي يصرخ.. لا.. لا.. لن أؤسر في دهليز الصمت وأصهر في بوتقة الاتهام. ليس أنا, صرخت في وجه المرأة ثانية:

 _ هل يوجد موظف غيرك في المعمل؟  ربما يكون أكفأ منك.  

 _ مستر محمد, هو الموظف العربي الوحيد في المشفى.. وأنا زميلته الجديدة.

_ أين هو؟

بدون اكتراث قالت:

_ يصل متأخرا, يعزي هذا لبعد المسافة!

لم يكن أمامي سوى اللجوء إلى الحوار السلمي معها, طلبتُ منها التأكد. وشرحت لها عواقب ما تصر على إلصاقه بي.. لم تعرني اهتمامها الكافي, ربما كان ضعفي واضحا, لا يشكل تهديدا. رابني عدم اكتراثها. صرخت لأجذب انتباهها إليّ وليتني لم أفعل فقد جذب النقاش الأعجم العقيم بيننا من في الجوار. تحلق الجميع حولي وأشتعل المكان بالهمس المشبوه فوجدت نفسي أغرق في بئر؛ صخورها وجوه مشمئزة, عيونها خضراء وزرقاء, شامتة, ومتوعدة, ترعف سما وازدراء, تأمرني بقبول ما وصمت به, وتأمرني بالصمت.

  كيف أكون حامل؟ وممن؟ أنا حامل!! لطالما أمنت أني نبع ماء عذب زلال, سيهديه الخالق إلى أصلح عباده. لم أكن أتوقع أن رمز الموجب, سيغرقني في بؤرة وحل. نظرت إلى الوجوه الممزوجة بالازدراء. لاشك أن كل واحد منهم يحمل خنجرا تحت ثيابه. هل سيتم تمزيقي الآن؟  انكمشت داخل نفسي. تراجعت إلى الخلف. صرخت أريد أمي.. أين أمي؟ سمعتُ صوت سارة من وراء تلك الكائنات التي فصلتني عنها: أنا هنا, أنا هنا. لكن حضور سارة كان غير كافيا, فصوتها المهزوم سلفا لم يكن له أي صدى.

علت الأصوات هنا وهناك, اختلطت بالضجيج المدوي داخل رأسي وخارجه. مرت صور كثيرة أمامي,  غرقت في نزيف التساؤلات والاحتمالات تفجرت براكين الخوف في دمي, وأوشكتُ على السقوط, وبينما أنا مصلوبة في عين الاتهام, تشتت الوجوه المقيتة التي حاصرتني بوجه رجل رائق كنسيم الفجر, مشرق كتباشير الصباح... وبلهجة الواثق قال: لا تخافي يا بنيتي. أنا العم محمد, وهذه الموظفة الجديدة لا تعلم أن الآلة معطوبة, لا تنسخ سوى أشارة الموجب.

الأربعاء، 17 أبريل 2013

ثمار القتاد




أيها المزروع خارج لغة الحلم
يامن توهنه الَأضداد
يامن تاهت منه لغة الوصل
ونهشته أنياب الأبعاد
خضر أغانينا سرقتها الأحراش
 سلبتها سحر الألوان 
وعيناك المتعبتان حمام  في الأعشاش
تبحث عن بعض حطام
 يا هذا..
تعصرك حمى الأوهام
فلا شيء جديد هنا
بهتت ألوان الطيف....
وساد القتاد.........
فأشرق ثانية في النبع
...
راوغني فيك الحلم كثيرا
حتى أختنق القمر
متى يسقط من عمري السفر
منذ أن دسستك بين الأمنيات
ونوافذي مغلقة على وجع  القهر
والأمل سجين الوهم
كم زفتني إليك الأحلام
وخَذَلتني فيك............
راودني فيك الهجر
لكني مازلت أغازل وهجك سرا
وأروي المسافات اليابسة  بالألوان
 لتغريك بالنظر صوبي
ربما نحرر فكرة الإبحار ثانية
لنصل إلى مرافئ جديدة
  نعيد فيها اكتشاف أنفسنا

الأحد، 14 أبريل 2013

رؤية ( ق ق ج)

 

 
   عندما رجفت الراجفة,و ماجت الأرض بأمواج الحمم. بدأت السماء تمطرنا بالألواح الثلجية كأطواق نجاة. كنت وأترابي قد صنعنا زوارقنا الخاصة استعدادا لركوبها في مثل هذا اليوم. بيد أن أمي أمرتني بالتخلي عن زورقي الآمن وركوب لوح الثلج؛ ففعلت.