الثلاثاء، 2 مايو 2017

البوابة رقم 20






صديقتي المنمقة  حديثا وسلوكا, اقتنصتني ذات سهو لتمارس علي سلطة من نوع خاص.. اجتذبتني إلى حيث تريد, لم تكن لتفلح لولا رغبتي في أن أخوض تجربتي الخاصة أنا أيضا, وهي تجربة فكرة المجاراة.. المجاراة التي لم تكن يوما من شيمي, والتي حاول أن  يقتنصني بها اكثر من متربص بعد كل جولة نجاح أظفر بها.
كان  في حديثها , صديقتي, رنة ثبور إذ أفلحت فيما عجز عنه الكثير.. قالت لي وهي تكاد لا تخفي ما يعتمل داخلها :
·       لا تقلقي سنجده!
·       ماكنت لأقلق! " قلت بانزعاج"

مررنا بالكثير من الممرات الصامتة إلا من نباح عينيها المترامي عند كل منعطف.  وفي الأخير عبرنا عنق الزجاجة الطويل, وعند بوابة وُسِمَتْ بالرقم عشرين قالت: هنا, خلف هذا الباب يوجد فريد عصره وأوانه.
حكيم أنسنة
دفعتُ الباب بجرأتي التي ما غادرتني يوما, وجدته قابعا خلف طاولته العتيقة, ومن خلف نظارته الأبدية رمقني بذات النظرة التي ما تفتأ تنبح من عين صديقتي. فهمت عندها أن ثمة قصور كبير يحيط بما نُقل إليه عني.  
تجاوزت إحساسي, تقدمت وجلست على كرسي أشبه بقفص اتهام. وقبل أن ينبس ببنت شفة قلت:
·       أنا يا سيد الحكمة امرأة وُلِدَتْ في بقعة ظل, مجرد حرف في حشو بيت القصيد, لم ترق لي تلك البقعة قط, لذا تقمصت لون الاختلاف وبرعت فيه حتى ضج محيطي نكرانا يؤججه ما يؤججه!.. أملامة أنا حين بحثت لي عن موقع تحت الشمس؟.
هزَّ رأسه نافيا وأشار بعينيه؛ أن أكملي.
استطردت حديثي :  كما قلت لك, كنت قطرة في محيط, ولم أرغب أن يدفعني الموج يوما ما على شفيره فيلتهمني الهجير.
 أردت أن أكون قمرا يغتسل بنوره المتعبون من الظل مثلي. ولتفهم ما أقوله؛ دعني أسرد لك البدايات :
·       سقطتُ كقطرة ندى بين زهور كثيرة, لم يكن مجيئي مفرحا.. على العكس, كان صادما!.
 وكأن السماء أرادت لي شيئا مختلفا وخاصا, فما أن أتممت عشرين يوما حتى انتقل أبي إلى محافظة أخرى وإلى منصب ما حلم به يوما, وبعد عشرين شهرا تحرك الذكر الذي طال انتظاره في أحشاء أمي.
 وبهذه النعم التي أسلفتُ ذكرها؛ أصبحتُ أنا الفتاة الرابعة" عشتارأبي" لسنوات عدة!..
أقول الصدق...
 بضع سنوات فقط تربعت على العرش الذي خصني به ابي!..
بضع سنوات قبل أن يغادر الدنيا مصطحبا كل افراحنا.
وبموته أسْدِل الستار على عشتار التي تراجعت إلى داخلي واستوطنتني وظلت توقد نار الشوق لـ تموزها وتدفعني الى البحث عنه في عالم الاحياء والاموات.
 تصاعد زفير الوجع في صوتي كما هو في حناياي وربما وصل الى الحكيم الذي راح يتشاغل عني لئلا أرى عينيه المشفقتين؛ فعملتُ بدوري على كب ما بداخلي دفعة واحدة ليتسنى لي الخروج من موقد الأحزان الذي وضعت نفسي فيه..
قلت:
أذكر أنني ذهبت مرارا إلى قبر أبي ونمت بجانبه, وأنا أتمنى أن يمد يده من داخل القبر ليأخذني إلى صدره كما كان يفعل حين حياته.
وأذكر أنني  ردحت في قعر الحزن مدة طويلة, وأن أحد لم يخترق ظلمة قوقعتي قط  ليضيء لي شمعة أو حتى ثقابا.
 وأذكر أيضا أن شرنقة حزني تمزقت عن كائن آخر كنتُ أنْكرهُ جلّ وقتي.. كائن أكبر مني ومن ما عهدته في محيطي, كائن متفرد في تميزه, وفي عطاءه, وفي سعيه..
كائن يسعى ليرقى.
وكأن العشرون كان رقم حظي..
فـ عند بوابة العشرين ربيعا وجدته.. ينتظرني بموكب فرح. مذ رأيته عرفت انه سفينة نجاة.. برغم أنه كان زواجا تقليديا إلا أنه لم يخذلني قط. أبحرنا أشواطا نحو الشمس, ومعه سرتُ من طيب إلى أطيب, لم يكدر صفو دربنا سوى تلك الأصوات النشاز التي ما تلبث ترتفع فوق سمفونية خطونا الموزون لتشتيت انتباهنا أو لتّقليل من شأن ما نصنع.
اعتلينا صهوة النور, فنشبت فينا مخالب الأتراب وغير الأتراب. وكما تنخر القطرة الصخرة؛ اقتحمتني تلك الأصوات, اشعرتني ان ثمة خطأ مزريا  يعترينا وكأننا نعتدي بنجاحاتنا على من رضوا بالظل مكانا .. لم أعد قادرة على استيعاب نظرات الازدراء او الحسد حولي.. هي كالشفرات تسلخ روحي عند كل إنجاز اتمّهُ..
صديقتي التي احضرتني اليك كانت اقلهم استياء.. فهي من جعلني اعترف باني اقترف مايلزمه الحضور اليكّ!.. فهل أصالي خطبا يستدعي
إحساسي هذا؟.. هل انا واهمة فيما ذهبت إليه؟
اجاب الطبيب بهدوء: لا.. ليس بك علة.. صديقتك احضرت لي كل من أثر عليها سلبا, وكل من أصابها بعقدة نقص, وساهم في تدهور حالتها النفسية وكنت على رأس قائمة أتت بهم جميعا واستعصمتِ أنت كعادتك, لكنها, في الأخير, غلبتك وأحضرتك.