نثريات

        
طيفك


 ألِفْتهُ أكثر منك فقد نشأ مع حبي لك وترعرع في الأتساع المزهر بتفاصيلك في الخافق الذي ينبض باسمك.. هو الأنيس الذي يسامر العين حتى تغفو وينام على شغاف القلب حتى تبرد الذاكرة.. لا يماثلك في الصد ولا يحاكيك في البعد. لأنه العامر بالود, المقبل بالسعد, الموفي بالوعد.. لا تثنيه المسافات فهو مع كل راجل وعلى كل ضامر, قادم إلي. وهو المسافر إلى حناياي الحافظ لتراتيل قلبي كلما همستُ بالوجد صلى للقرب وابتهل.. أيها النجم السابح إلى البعيد.اقفز فوق شراك الماضي, وأذن للحاضر بأن يورق باللقاء. فما زالت جوارحي تتدفق إليك كموج يسابق الريح لمعانقة المدى, ومازلت لأبجدية أخرى تترجمها عيناك إلى لغة موغلة في الطيوب أتوق وخاطري يرقى, منذ متى وأنا أسامر قوافل الأماني وأشتهي الندى.. وأفرد للبوح قصائد تروي جذور الزهر برونق الهيام لينثر مع أريجه شذى الإلهام فيأنس به كل من ذوى في دروب الهوى وهام..  





مسافرة


أقف على قارعة طريق أسفلتي مرسوم إلى الأفق, وأحراش تحيط بجانبيه.. أقف ملتحفة إزاري الأسود وبقربي حقيبة سفر. إن أنهكني الوقوف جلست برفق عليها ولا أُلقي بثقلي كله عليها خشية أن تنهار قوائمها فتصبح ملابسي في الخلاء كما أنا.
الشمس تغازل الأفق فتقترب منه.. ترتمي إلى أحضانه بلهفة المشتاق ليُلقي الضياء آخر تحاياه على وجهي الحزين ويتركني محاطة بمئزري الكئيب..أشده أكثر حول كتفي.. أراقب الطريق فربما يمر موكب النجاة من هنا.. أو ربما مسافر ضل طريقه في ظلمة النسيان فقادته الدروب إلى موضع كموضعي هذا.. أو ربما.. أو ربما. مضى الليل وأنا بين وقوف متململ وجلوس.. أشد مئزري حولي.. أربت فوقه أحياناً.. أواسيه, فليلنا وإن تلبد أو تطاول إلى انتهاء, وغدنا وإن أوغل في الجفاء آتيا لا محاله ولربما غداً يفاجئنا بقربه وتبهرنا ملامحه ونصاعة جوهره


ما زلت انتظر على الطريق ما انحنت هامتي, لكن مخاوفي بدأت لعبة المطاردة.. فكأني أسمع أنين قادم من الأحراش الممتدة على جانبي الطريق.. أو كأنني لمحت ظل زائر من الفضاء.. أو ربما أنا أُجن.. أغمضت عينيَّ كي لا أرى,فشعرت بالنعاس.. فركت عيني وبدأت في امتطاء بعض أحلامي السعيدة ريثما يسفر الطريق عن أمل يقودني إلى مدائن النور أو حتى يضعني على أول طريق واضح الملامح.

تغلغل البرد في ثنايا مئزري وبدأ ينهال على جسدي الرقيق بسياطه.. بدأت بالتقرقف والانكماش, ومئزري الحزين يئن تحت ضغط شد أصابعي عليه وكأنه يصرخ: ترفقي بي فما أنا إلا مئزرك أتمزقُ تحت ضغط أصابعك فلا أعود أنفعك.. أرخيت لجامه وربتُّ عليه.. بينما رياح باردة تلفح وجهي وأصوات أحراش تتطاول إلى سمعي, تخالطهما أصوات طبيعة باردة وموحشة.. وليس هناك أي بادرة أمل بحصول المستحيل.... بكل قناعتي وما أوتيت به من صلد قررت الرحيل.. حملت حقيبتي وبدأت السير على أول الطريق فقدماي مازالتا تحملاني.. وهما اليقين الذي سأعتمد عليه.. قد يكون انتظار الأمل ليس مستحيلا بل أبعد من المستحيل.. لهذا أوصيت روحي بالثبات واعتماد اليقين



 أقبالك الحياة


 أيها المتدفق أنساً, المنساب ودا, الجاري بفيوضات الشوق إلى مصب الحنين
  كلما اغترفت غرفة من معينك استعر الوله اشتياقا إلى مزيد من برد ودك وحلاوة قربك.أيها الساري على إيقاع أمنياتي وتراتيل وجدي؛ الموغل في لحن همسي وتواشيح ذكري.

 إقبالك الحياة وبمرورك تتجدد المواسم, تفرد أجنحتها الخضراء على امتداد عمري, جريانك السلسبيل على دروب الجفاف التي تحاصرني قطرات غيث ونماء وموجة ارتواء..بزوغ حياة وطريق أمل.

 إقبالك الحياة.. لترتوي دربي المدروسة معالمها بفيضكالزاخر بالحياة, وليتخلل رونقك بهتان ملامحي الظامئة إلى احتوائك,

 ولتزهر على جوانب جريانك باقات من الأماني المثقلة بلواقح العطاء..

 أبحر بي أيها الغامر إلى الأفق الذي لا تصل إليه سحائب

النسيان ولا تطاله يد الهجران.. عانقني على شرفة القمر وارسم من ضياءه عالم مسحور لا يراه سوانا وانسج للقائنا إيوان

 من ترف الغزل وبتلات الأمنيات..وكن معيلِتُقْبل الحياة.

                             

   أيتها الشمس

. أيتها الشمس لِما أمطتِ لثامك فجأة وباغتني بعنجهية حضورك الأبي.....

أيتها الشمس....لو تدرجتي بالظهور وبأشعتك الدافئة

أحتضنتي قلبي وأفعمته بالقبول .....لو تسرب نورك رويدا

رويدا إلى أعماقي لكنتُ قبلت فكرة الانصهار في

شلالات النور المتدفقة من جبينك وراقتني فكرة

الانخراط في كينونتك... لكن جلال نورك أبهرني

فلم يسعفني ثباتي بالصمود لاستيعاب سطوة سطوعك

فركضت بين دروب الهوامش أتلافاك خشية الوقوع

بين براثن عشقك.

أربكني كمالك وكشف لي جوانب النقص فيني

فانطلقت بعيدا أبحث عن الكمال في نفسي حتى مضى

العمر وأنا أتخبط في المدارات المهمشة بعيدة عنك


تحاصرني الآلام وخناجر الندم ترتكب وزر اغتيالي كل يوم





هجير المنافي

  كي لا يلعق الصمت ملح المسافات, وقبل أن يصيب أرواحنا هجير المنافي..


سأكتب إليك بمداد نبضي لأبطئ ضمور الوله على شغافه..سأكتب إليك:

 أيها الراهب في ملكوت المطر.. سكبه في كفك بقدر..فتدبر....امنحني صحو مناجاة,أو نافلة اهتمام,لأهديك ما تيسر من صفو أيامي فأنا من عمر أتوكأ التأني لألقاك قمرا يرمم بنوره هشيم الغياب.. يخرجني من كهوف تعاستي ويصحب الفجر إلى قفار وحدتي.. من عمر ويزيد أراقب انبثاق ربيعك في أوردتي وأرسمه في أنسجة القلب بألوان من الشغف الممزوج بالفرح ونغزات الانتظار.. أيها المسافر في وجه الغيم.. هذا التشظي سن شفرات الجفاء... ترك سمائي مباحة لأسراب اللوعة.. أضرم عباءة الليل بهسيس الانصهار.. فاستعرت جهاتي بحطب الغياب.. ومازال رجائي فيك كعادته, ينتبذ وارف الاحتمالات.. فأقبل إلى مروج جودي.. فأنا كالضياء زاده العطاء.. أقبل لأمنحك الرضاء بالهطول في محراب

  شوق يسجد فيه الصمت لمناجاة الروح ويتصوف البوح في محاريب صفاء.. فأفترب..

 _لتسبح الخلجات بحمد الرجوع.....

                     

 رتابة


انزوي الى ركني مكتفية بحيزي الذي تشغله كتلتي ..أسدل ستائر الرضا وأكتفي ببعض
 الأماني التي يطرقها خاطري بحسن نية ..

  أتقن العزوف عن المتشابهات كما أعجز عن الخروج عن المألوف.

  عادية لدرجة السذاجة ...

 ملتزمة لدرجة التخلف ...

لايخرجني من رتابة سيري الا تيارات الهواء الصادرة عن انطلاقات من حولي ..أتأرجح بفعل الهواء قليلا ..يلفني الذهول وضجر الالتزام ثواني ..ثم ما البث أن أعود برتابتي المقيتةلخط سيري..........




 ساعدني

ساعدني كي أخرج من طوفانك

كي أترجل من دوامة هيجانك

 كي أرحل عن ساحات جنونك

سأخوض بحاري وحدي
 
 لا أحتاج إلى شطآنك

خدعتني فيك ضنوني

 وخدعني حسن بيانك

لكن لا شيء حقيق

في قلبك أو في وجدانك

أرحل

 أرحل

أعتقني من رقك

أعتقني من هذيانك


المغارة

المغارة التي تسحر العيون...

تُلقي على ينبوع الضوء قُبلة, فيموت

ثم ترسل عبق فتنتها مع نسيم الفجر

أنفاس تُسكِر الأرواح التي مازالت تهيم حباً بالحياة

تغزو أنشودة الصدى مواطن الضعف في الأرواح

يغريها النداء... تلقي من أياديها بذور الزهر, وتطبع على جبين الأرض قبلة الوداع

ترمي للعصافير ابتسامات مفرطة الحنان وتضع في فم الزهر قبلة لتسد فوهة النواح وليصمت عن

 اهتزازه الحنين

تبحر الأرواح عبر جدول المُنى

الى المغارة, وهناك تكتشف ضياع عناصر الحياة الأربعة

فتبدأ بقراءة سورة الإنسان 



هواجس


كل مساء اتلو آيات الحفظ.. وأنثر بخور الصد.. أنفض ألحِفتي.. أتحسسها أٌعيد صياغة مواقعها.. أمسح جدران الغرفة بنظراتي المثقوبة بالخوف, وأمد يدي تحت فراشي.. تحت سريري.. تحت غطائي, أبحث عن فم ينفخ بخاراً ساخناً في ساقيّ وأطرافي إذا ما خلدتُ إلى النوم.. أبحث عن أجسام صغيرة تقتحم الفراغات الصغيرة بين أصابع قدميّ.. عن جسد يهوي ناحيتي لحظة ولادة وسني.. أعجز عن صده.. لا تسعفني ذاكرة الصوت لإيقاظ حواسي الأخرى, تموت الاستغاثة.. يخنقها تبلد المفاجأة... تمر لحظات ثقيلة كأزمنة القهر... تسحقني.. تشدني إلى المجهول ......... لا يرضخ عقلي لفكرة الاستسلام.. يقاوم.. ينتفض يرتفع جسدي كالريشة في الهواء..يصفعني الوهن ويعود بي بقوة إلى أحضان السرير المسكون بهواجس قهرية تعيد رسم قوانين العبودية بشكل آخر تستعبد به الروح والجسد.


الى ساكن النور

عندما تظللني سحابات الوجد وتتخللني نسائم الوله..تحملني فراشات الشوق على بساط المنى لتلقيني على رياض قلبك الغارق في النور .

 يصفعني الحزن ليوقظني من عالم النسيان ويستبيح مدني المسكونة بالضعف ,يذيب قمم إيماني فأغرق في انهيارات الفقد .. تسحبني براثن اليأس وتقيم على رفاتي مأتم النسيان ..لا نسيان بعد اليوم.. تستيقظ في بقاياي عبارات العتاب ..أتهجد بها في صومعة المي ..لعل ابتهالاتي تطرق مسامعك البعيدة فتهب .. تمتطي المستحيل وتطلب اللقاء ...

 .. ايها النائم في ملكوت النور احجز لي مكانا بقربك او اسمح لي باللجوء إليك . لا توصد دوني ابواب برزخك الأبدية فتخبو ترانيمي, وتغرق في اختناقات الحنين.. وتتبعثر خطواتي على أرصفة الوداع .. لاتنفث جنون الألم في ثنيات الجرح فيورق هلاكي . . واترك لي على المساحة الفاصلة بيننا ما أهتدي به أليك .؟ أعوذ بجميل وصالك من ضنك الهجر .

 أعوذ بأمنك المتنزل على قلبي تراتيل طمأنينة من وحشة البعد وفزعه .

 أنت النزيف الذي استعصى جرحه على الزمن.. والحب الذي ندر هطوله على هذا الكوكب الأصم .. كيف القاك وأنت تسكن السماء بينما أغرق أنا في نقطة تدور على هامش صفحة سماءنا الدنيا .. تحدى نواميس الموت والحياة وحلق بي نحو مجرة لا تحكمها نواميس الموت والحياة.......... تعال في حضن الليل او في ثغر الصباح ولاتخلف الوعد فأنا كل ليلة اغسل لك جدائلي بماء الورد والقيها على شرفة الانتظار ,لتوصلك الى مخدع مرصود باسمك ..اقبل مع انين الليل وانثر على شرفتي زهور اللقاء واسمح لنورك بامتطاء خمول ضبابي ..

 ولابتساماتك تفريق شتات أحزاني ,فأنت منى النفس ماعليك من رقيب يسترق النظر اليك او يمدح او يعيب,لاتكترث لعازل فليس
غيرك حبيب 

غربة قلب

ستسهل الهروب إلى الواقع


 لطالما كان عالم الأحلام ألطف وأرق وأجمل.. وأنا ممن ينحتون من السفر خيمة وسماء ونجوم ويرسمون على صفحة الرمضاء آثار قافلة تبحث عن الطريق إلى بلاد العجائب.. تشتم رائحة المطر الممزوج برائحة الأرض ونباتاتها فترتع.. يسعدها شعور الانتماء .. تتخلق في مصاعب الطريق هويتها.. يرهقها زيف الحلم فيختفي الأمان وشعور الانتماء يتلاشى.. هذا المشوار جميل بقدر غموضه ووحشته افتحي عينيك.. صوت الواقع يناديني.. لامجال للحلم نحن على دروب السفر لا ننام تبقى قلوبنا مشرعة للحب وأعيننا لا تنام.. بل لا تنام قلوبنا
 
 تتصادم الهواجس تثير جنون اليأس والأمل والاتزان نحتوي الألم.. نكبته.. نخفيه.. نمضغه .. نكسر الإحساس بالأسى ويكسرنا .. نرتوي من ظمأ دروبنا وعلى طريق وُجِدنا فيه وعلينا شقه ومسايرته ومصادقة آلامنا وانكساراتنا فيه.. تبقى أعيننا تراقب انبثاق كل الألوان لكي لا تتفاجئ فتكسرها المفاجأة

 لهذا ابقى على درب الواقع أراقب خطواتي .. أين تأخذني خطواتي .. فليتأجل الحلم.. لأن الحلم لا يُزهر ثباتا على أرض لا نملك هويتها.

0 التعليقات: