الاثنين، 15 أغسطس 2016

الممسوس




 
نزل متأبطا ذراع  عروسه. ارتفعت الزغاريد تسابقها موسيقى الفرح. تدفقت الوجوه الجميلة حوله وعروسه. كان حضوره شبه أكيد.. بلا مبالاة دارت عيناه في المكان, فجأة, التقطت عيناه وجهها.. استقبلته عيناها بوله ودلال مُحب. غادره حضوره وأصبح
كيانا فارغا .. بدا كغريق  تتلاطمه الأمواج.. بدا كمن لا يرى موضع قدمه ولايرى من أمامه.. سقطت الكائنات حوله في ثقب مظلم, وبقيت هي كالشمس تهب الوجود البقاء والدفء.
 أسَرتْ عيناه..
تبعتها روحه..

  فها هي المرأة التي حلم أن تكون عروسه ورفيقته تقف أمامه.. كان يجب أن تكون هي من يتأبط ذراعه هذه الليلة.
  عرفها في الطريق السريع وسط عشرات العربات والوجوه  التي أوقفتها  بصراخها لنجدة ابيها, الرجل الذي غاب في نوبة سكروترك فتاته بمفردها. الجزع جعلها تضع يدها على مزمار السيارة ولا ترفعها حتى تعطلت حركة السير وسارع الجميع إليها.
 كانت ماتزال تصرخ عندما أشرق وجهه من بين الوجوه, وسط تساءل الجمع فيما بينهم عن طبيب, أجابهم: أنا طبيب..
ولأنها تأسر الأنثى تلك التفاصيل الصغيرة التي يظهرها الرجل دون وعي. أصبحت أسيرته.
فخلال الأيام التي قضاها والدها في المشفى,  توثقت العلاقة بينهما وأستعر الشغف..
أسرها خلقه وطيبته..
 بهرته شخصيتها وجمالها..
 تعاهدا على اعتلاء عرش الهوى معا ومواكبة صروف الحياة..
 لكن,
هيهات لحكايا الحب أن تسلم من طائف يعيث فيها التمزق والفراق..
رفضتها أمه.. لوحت بما لديها من سلطان.. كل الوسائل مباحة لدحر تلك المتسلقة كما كانت تصفها..
 أسرف هو في بذل كل ما يثير شفقتها عليه وأسرفت هي في نكران قلبه الممسوس بدخيلة أحكمت شباكها حوله.
 مزّقه بره لها وشغفه بحبيبته حتى كلّتْ همته وخر راضيا لطاعة أمه التي بذلت العمر كله لتربيته بعد موت الوالد.
 هكذا يرد لها الجميل ولشقيقتها التي وقفت الى جانبها في معظم مراحل حياته.
ليلة عرسه, غلبتها الأشواق اليه .
قررت أن تراه لآخر مرة..
 ستودعه..
 ستضع عينيها في عينيه  لتسأله :
-        كيف تجرؤ على الهجر.. أما  للهوى نهي عليك  ولا أمر..
 هل كان موج الهوى المتدفق منك سراب.. هل كنت واهمة إلى هذا الحد  كنت أحسه.. كنت أغرق فيه.. كانت هالة شغفك تضائلني حتى أعجز عن ترديد أنفاسي.
كررت في نفسها: سأراه لآخر مرة.
حين  نظرت في وجهه نفرت دمعة ألم من عينيها.. لم تقو على متابعة النظر اليه وهو بقرب أخرى, هربت  من أمامه , أنسلت روحه من حناياه .... أفلت يد عروسه.. ركض خلفها كالممسوس.

(من أرشيف قصصي القديمة)

0 التعليقات: