الثلاثاء، 17 فبراير 2015

وجد نفسه




 


وجد نفسه
وجد نفسه ملقى على ظهره في حوض مليء بالوحل. رفع راسه ثم جلس.. أدار وجهه في المكان والدهشة والهلع تصرخان من عينيه.
ماهذا الحمام الرديء الذي هو فيه؟
تلفت, أمعن النظر في زوايا المكان.. ياله من حمام داكن الرؤية واللون.. سحبت الرطوبة طلاءه وشققت جدرانه, حتى المرآة التي تقبع على هامة الحوض المتهالك هناك, قرب الباب المغلق, لفحتها الرطوبة بطائف من ضباب..
تسرب الوحل إلى عينيه, مسح وجهه بيديه, امتلأت كفاه بلحم وجهه المعجون بالوحل, صرخ من الخوف.
حاول النهوض.. كان الوحل يشده إلى أسفل الحوض, قاومه, ثبت يديه على ضفتي الحوض.. تزحلق مرارا لكنه, في الأخير, نهض.
كان عاريا والوحل يتساقط من جسده.. ذهب الى المرآة.. نظر فيها.. رأى وجها بلا ملامح, تراجع قليل. ربما كانت رؤيته غير واضحة.. أدار صنبور المياه الماثل تحت المرآة, رأى ماء عذبا يتدفق, وضع رأسه مباشرة تحت الماء لكنه لم يشعر بشيء.. كان الماء صوتا وصورة فقط .. ماء لا يُحس ولا يطهر من رجس. رفع عينيه ثانية إلى المرآة, فركها بيديه فأزداد ضبابها.. ضربها بقبضته وكانت له قبضة كمخلب أسد كما كان يقال له. بيد ان قبضته
ذوت في الاشيء. وجد نفسه ثانية في الحوض السابق مغطى بالوحل على شفير الاختناق. رفع رأسه بسرعة.. جلس في الحوض.. أدار وجهه.. تأمل المكان..
تسرب الوحل إلى عينيه.. مسح وجهه بيديه.. امتلأت كفاه بلحم وجهه.. صرخ, هرول نحو الباب.. حاول فتحه ولم يقدر.. عاد إلى المرآة بحث عن ملامحه فلم يجدها.. أدار صنبور المياه, سمع الماء ورآه لكنه لم يحسه.. ضرب الصنبور بقبضته.. فتح عينيه.. وجد نفسه في نفس الحوض مغطى بالوحل.. مع كل اعتراض تتكرر المأساة مرات ومرات قبل أن يستسلم ويترك نفسه  لقضاه..
ترك رأسه في الوحل.. شعر به ثقيلا على رأسه.. أحس بتسرب الوحل إلى أذنيه وأنفه. .وأحس بأطرافه تتراخى وجسده يبرد ويتخشب.. ماذا يفعل؟ لا أذن تسمعه ولا عين تراه.. فتح عينيه.. رأى على وجه الجدار المواجه له, من الأعلى, رأى قبرا وبجانب القبر رأى أمه تبكي وتقول: رحم الله ولدي كان غارقا في ملذاته.
هزته نوبة ذعر وخوف فأفاق.. وجد نفسه على سريره في غرفته الملأى بأصناف لا تحصى من أسباب غواية الروح والبدن.. ترك فيها ثقابا مشتعلا.. وركض يسابق الريح إلى مواضيء المسجد. 


0 التعليقات: