السبت، 28 ديسمبر 2013

على قارعة الألم






 عندما يحرق قيظ القهر مروج بساطتك حتى آخر ورقة.. تخرج منتفضا إلى دوامة المجهول, ملبيا  استغاثة ما تبقى من حصون كرامتك, دافعا جسدك الضئيل عربون نجاة لآدميتك..


هكذا فعلتْ.. خرجتْ من منزله على غير هدى.. قلب مفجوع , وجسد خائر, ودمع يهطل ليطفئ سعيرا أضرمته أصابع تجردت من الضمير والخوف من الله ..أيادي أخرجتها حافية القدمين..لتقابل صفعات رياح الليل الباردة وطريق مجهول الملامح..  كان الموقف أكبر منها ..أشعلته ضرتها وساندها زوج أوهمها لعامين أنها ملكة قلبه وعمره.. ثم مالبث أن تحول إلى سوط يبد زوجة تخلت عنه أثر خلاف حول سفر يهبه مركزا مرموقا ودخلا مغريا..  تقبّله بفرح, و زهدته خوفا من  اغتراب ضره أكثر من نفعه.. تركها وزحف وراء حلمه.. قدمت له المدينة الأخرى الكثير من المميزات والمنح, وعروس لم يكن ليحلم بها يوما في حياته..  
عرفت بزواجه الثاني واستقراره في المكان البعيد.. تراجعت, وأثنت كبريائها عن تطاوله وطلبت العودة مستعينة بروابط الدم التي تربطهما وعدد ليس بقليل من ذوي أصلاح البين في العائلة..  
 شريط  الأحداث يفرك مواضع الألم في روحها بوحشية ويأبى إلا أن يعيد نفسه مرارا وتكرارا
تهرول
تكابد فوضى الطريق
تلملم شظايا روحها..
تطفق الافتراضات حول وجهتها الصحيحة
 ضجيج غضب واستنكار ووجع يعصف بفكرها حد الجنون.. ينسيها جب الليل وعرائش الخوف المستوطنة طرقه الموحشة .. صوت زوجها وهيئته المخيفة التي أصبح عليها بعد أن همست له تلك الماكرة, مازال يطعن روحها ويبدد اتزانها..
- ترى ماذا قالت له عني (قالت لنفسها) ماذا قالت له ليمزق كبريائي أمامها بتلك البشاعة....
- هل أنا على الطريق الصحيح. (تساءلتْ)
 كم مرة سألته عن سبب شراؤه بيتا نائيا عن المدينة؟ وكان رده الدائم: لئلا تقفزي إلى منزل أهلك كل ساعة كما كانت تفعل أم الأولاد..
- كنتُ على وشك الاعتراف له بما ينموا بداخلي.. ربما أخبره أحدهم بأنه لم يكن خياري الأول. .كيف سيكون, وهو كهل لديه زوجه في العالم الأخر وأخرى شمطاء لا يقدر إبليس على مكرها.. نعم لم أكن أريده في السابق.. طيبْ معشرهُ ردم اختلافات كثيرة  بيننا.. أنسْتَهُ وبادلتهُ الشغف حتى حضرت تلك المرأة وأحالت حياتنا سعيرا.. 
مازالت تسري بقطع من الليل.. تتحسس بطنها بين الفينة والأخرى
مازال صغيرا كي تصعقه الدنيا بفراق أبيه..
تذكرت وجهتها
تذكرتْ أخاها من غير أم .. وحش آخر لا يختلف شره عن شر تلك الشوهاء كثيرا..لم يكن رحيما بها يوما ولا بأمها وأخواتها الأربع.. بعد  وفاة الوالد تسلم زمام  أمور العائلة.. صلف لا يجرؤ على مناقشة مشيئته أحد.. أشد ما تخشاه أن يعيدها إلى ذاك الرجل  بعد طلقة بائنة.. سيبرر فعلة صاحبه "بطلاق الغضب".. هل سيجرؤ على محاولة  أعادتها لذاك الزوج المأفون؟   
 - لمَ لا,(قالت لنفسها) قام بوئدي وأخواتي الواحدة تلو الأخرى ليتخلص من أعباء معيشتنا. .أذاق أمي الويلات لإنجابها الفتيات.. كم كان قاسيا وهو يصب غضبه ويكيل على رأسها شتائمه :
- لو كانت أمي على قيد الحياة لأنجبت الرجال.. أبي بحاجة إلى امرأة تنجب الذكور..
كان هذا ديدنه..
حث أباه على الزواج بأخرى.. حتى فعل.. أنجبت الأخرى توأمها(الحسن والحسين) وغادرت في صمت أثر نوبة حمى نفاس ألمت بها.. كفلتهما أمها وأرضعتهما مع أبنتها الصغرى؛ الأمر الذي جعله ينقم عليهما ويضعهما في دائرة غضبه.. تمتمتْ: يا إلهي كيف سأواجه ذاك الطاغية؟
اقتربتْ من الحي المعمور.. على بصيص الأنوار الخافتة جدا, الصادرة من نوافذ المنازل, واصلت السير..شعرت بالتعب فتوقفت, ووضعت يدها على أحد الجدران القريبة منها.. قبل أن تلامس يدها الجدار البارد.. أحست بكائن صغير, تحرك, أثر ملامستها له على الجدار..هب الذعر في جسدها أكثر مما هو عليه.. انفلتت رجلاها بغير هدى.. ارتطمت بقوة بأحد الأعمدة الخراسانية المعدة لبناء منزل.. فوقعت على بقايا خليط  أسمنت.. عندما وقفت.. شعرت بدفقة دفء تمر بفخذيها..
-         يا إلهي أحفظ جنيني, رددت الدعاء في نفسها, وواصلت السير.
هل تاهت.. ما بال الطريق يمعن في امتداده ووحشته..مضتْ, لا تعرف كم من اللحظات مرتْ, قبل أن تسمع صوته يزمجر.. نظرت إلى النافذة المفتوحة.. كان يقف, يكيل أطنان من الغضب على جسد صغير يقف أمامه.. لاشك أنه أحد أخويها, صوت أمها الواهن يدافع عن الصغير.. صراخ الطاغية يرتفع.. صوت أمها يخفت وبكاء طفل لم يتجاور السابعة من العمر بدأ يعلو بحزن يفتت حناياها.. كانت تقف في ضوء النافذة    تتساءل: هل تدخل مثلث الأسى إذ لا وجود لمكان غيره.. أو.. ماذا؟.... بدأ وجه أخيها كثقب أسود, يسحق من يراه..
- ياإلهي, ما أسهل الخروج من منزل تربطك به كلمة!!  وما أصعب الرجوع إلى رحى الدم ..
 ضربت سياط الألم ظهرها.. تفتت أحشاؤها لتزفر دفقاتها الدافئة مع كل انقباضة
سحابات حزن بدأ وابلها على الوجنتين غزيرا....
 


4 التعليقات:

Unknown يقول...

قصة مؤثره لمعانات امرأه ضاقت عليها الحياه وحاصرتها ظروف الزمن ...

احييك على هذا التجسيد الملامس للقلب..

Unknown يقول...

سيدتي الراقية أمل عبدربه:
قصة مؤثرة وظفتي فيها إحساس الأنثى بفنية عالية.
هناك بعض التعسف على الرجل من وجهة نظري.
مودتي الخالصة

اريج الامل يقول...

اهلا بك أختي ليا
شرفت برأيك حول النص
شكرا لمرورك الطيب
باقة زهر وشلال عطر

اريج الامل يقول...


أهلا بك أستاذ علي
شرفت بمرورك الجميل ورأيك يدل على أنك قرأت النص جيدا وهذا يفرحني برغم أني
لست معك فيما ذهبت إليه .. لا تعسف على أحد في النص
هناك توازن في الإسقاط على كل من الرجل والمرأة
رجل مسير وامرأة مسلوبة الإرادة ورجل آخر وامرأة تمكن الشر منهم
تحياتي وتقديري